في هذه الفقرة الخاصة التي تقدمها هدى عصفور، تُطلع كندة حسن المستمعين على تجربتها في مؤسسة إي كي ٣. وتركز هدى وضيفاها على عدة فنانين من العالم العربي وتستعلم من خيام اللامي عن شركة نوى الناشئة لتسويق الأعمال الموسيقية.
تتضمن المقابلة التالية جزأين، بحيث يمكنكم أن تنقروا عليهما بشكل منفصل. بوسعكم أن تقرأوا أيضاً النص العربي المدوّن المرافق. ويمكن العثور على الموسيقا من الفقرة تحت نص المقابلة.
خيام اللامي
ولد خيام اللامي في دمشق، سوريا، ١٩٨١ لوالدين عراقيين. بدأ العزف على الكمان في سن الثامنة، لكن بعد أن انتقلت أسرته إلى لندن في ١٩٩٠ انتقل اهتمامه إلى الطبول والغيتار الكهربائي وأسس عدداً من فرق الروك. لم يكتشف آلة العود حتى ٢٠٠٤ وبدأ بدراستها مع نظرية الموسيقا العربية والتراث الموسيقي العراقي التقليدي مع الفنان المبدع إحسان إمام. في السنوات القليلة التالية تلقى اللامي عدداً من الجوائز والمنح التي سمحت له بالسفر كي يعمق دراسته للعود مع نصير شمة وحازم شاهين في القاهرة وميهميت بيتميز في اسطنبول. حصل أيضاً على الإجازة في الموسيقا من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، جامعة لندن. في ٢٠١٠ كان المتلقي الأول لمنحة أكاديمية “وورلد روتس” المهمة من إذاعة البي بي سي ٣، حيث قام بالأداء وكتابة المدونات والاشتراك في إخراج البرامج الإذاعية، وحاور الموسيقيين لإذاعة البي بي سي ٣. تعاون أيضاً مع عازف الغيتار والمغني العراقي إلهام مدفعي وموسيقيين عرب آخرين. أطلق اللامي ألبومه الأول “رنين\\تنافر” عن شركته الخاصة “نوى للتسجيلات”، في٢٠١١.
كندة حسن
فنانة بصرية وصوتية مستقلة. أكملت الماجستير في الفنون الجميلة في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة في تموز ٢٠٠٧. تجمع بين الفنون البصرية والإبداعات الصوتية، مع عملها في الفيديو، الذي اختير لعدد من المهرجانات الدولية. ومنذ شباط ٢٠٠٨ عملت على تأسيس “ميمبر”، وكانت المدير التنفيذي في لبنان لمؤسسة إي كي ٣، التي تدعم الموسيقا العربية الأصلية في المنطقة. شاركت في عدد من المهرجانات المحلية والدولية.
حوارته: هدى عصفور
صاغها باللغة العربية الفصحى أسامة إسبر
هدى عصفور: بما أن هذه أول فقرة سنتحدث فيها عن الموسيقا البديلة فكرت أنه بدلاً من أن نستضيف أحد الموسيقيين من المنطقة العربية أن تكون الحلقة أكبر وبمثابة تعريف بهذه الساحة، ساحة الموسيقا المستقلة أو البديلة في العالم العربي من خلال الحوار مع شخصين لديهما خبرة في تفاصيل الإنتاج المتعلقة بالموسيقا البديلة في المنطقة العربية
ضيفتي الأولى هي كندة حسن، وهي بالإضافة إلى كونها فنانة تعمل في مجال الفنون السمعية والبصرية، هي أيضاً عضو مؤسس في شركة "إيقاع"، والتي هي إحدى شركات الإنتاج الموجودة في العالم العربي المهتمة بدعم الموسيقيين المستقلينفي المنطقة
الضيف الثاني هو خيام اللامي وهو أساساً مؤلف موسيقي وعازف عود ودرامر وعضو مؤسس في عدد من المشاريع في المنطقة العربية أبرزها فرق "الألف". حديثنا معهما اليوم سيكون عن شركة الإنتاج "ريكورد ليبل" "نوى" التي أصدرت منذ فترة عملاً للموسيقي موريس لوقا الذي يعمل في مجال الموسيقا الإلكترونية. سأقول بسرعة قبل الانتقال للحوارات إن كل الروابط للفرق وشركات الإنتاج التي سنتحدث عنها الآن ستكون موجودة على صفحة البرنامج بالإضافة إلى “بلاي ليست” فيها قطع موسيقية والأغاني التي ستسمعونها في هذه الفقرة وبعض الروابط لصفحات بعض الفنانين الذين حكينا عنهم
هدى: كندة حسن، أحب أن نتحدث أنا وأنت عن بداياتك مع “إيقاع”، كيف بدأت الفكرة؟ كيف التقيت بتامر وكيف كانت الساحة في تلك الفترة في ٢٠٠٨ حين بدأتم وكيف تغيرت الأمور وكيف ترين الساحة في ٢٠١٤؟
كندة حسن: بدأ اهتمامي بالموسيقا المستقلة في ٢٠٠٨، واكتشفت أن هناك موسيقيين يقومون بعمل مثير للاهتمام كثيراً ولا أعرف عنهم
هدى: مثل من؟
كندة حسن: مثل كاميليا جبران وتامر أبو غزالة، وفي ذلك الوقت كان عند عزيز مرقة بعض التراكات الحلوة مثل"Posessed"وأحد الأسباب الأساسية التي جعلتني أميل إلى العمل في هذا المشهد ليس خلفيتي طبعاً، رغم أنني أحب الموسيقا، ،وأعزفها ومهتمة بالموضوع بشدة لكن هذا لم يكن مجال دراستي، ولم أتوقع أن تكون مهنتي في هذا المجال. اخترت العمل في هذا المجال لأني شعرت بأن هناك نقصاً في توصيل هذه الموسيقا إلى الجمهور العربي. سمعت هذا الشيء وسألت نفسي لماذا أنا مضطرة للتعرف على الشخص كي أسمع موسيقاه. أنا سمعت موسيقا تامر ومن خلاله كاميليا وعزيز لأنني تعرفت على تامر شخصياً، ولم أكن أمتلك أي مدخل آخر لهذه الموسيقا. فولدت الفكرة آنذاك في بداية 2008 حين كنا نتحدث. في آخر 2007 كانت لدى تامر فكرة وهي شركة "إيقاع" التي كان قد فتح لها سابقاً فرعاً في عمان في حزيران 2007
هدى: في ذلك الوقت كانت "إيقاع" عبارة عن شركة إنتاج فقط؟
كندة: كانت إيقاع في ذلك الوقت فكرة كبيرة جداً، أكبر من كونها شركة إنتاج وكانت قد بدأت تضع الخطوات الأولى لتنفيذ هذه الفكرة، وكانت قد أنتجت وقتها أربعة ألبومات أو ساهمت بإنتاجها لأنها كانت تقوم بالإنتاج المشترك في غالب الأحيان، ومن ضمن هذه الألبومات ألبوم تامر وألبوم عزيز، وكانت قد بدأت تدرس كيف ستفتح شبكة توزيع لهذه الألبومات في المنطقة من ناحية، ومن ناحية أخرى شبكة للحجز لعروض الحفلات الحية لهؤلاء الموسيقيين خارج مدنهم المحلية، وهذا يأخذنا إلى فكرة "إيقاع" التي تقول: حسناً، إن السوق صغير محلياً والفنان غير قادر على العزف الحي إلا مرة في الشهر، ولا يعرف أن يبيع أكثر من ٥٠٠، نسخة إذا كان محظوظاً، في بلاده. وبالتالي هو غير قادر على تكريس وقتع لموسيقاه لأن موسيقاه لن تساعده على العيش بأية طريقة ولهذا هو مضطر للقيام بأعمال أخرى كي يؤمن حياته وفي المقابل يصنع الموسيقا في وقت فراغه، بينما المشهد الموسيقي يحتاج إلى أن يحترف الموسيقيون موسيقاهم ويقدروا على أن يعيشوا منها كي يطوروا فعلاً في المشهد المستقل، الذي كان دائماً يعاني من المشاكل لأنه في أغلب الوقت تُصنع هذه الموسيقا من قبل أشخاص في وقت فراغهم أو من قبل برجوازيين قادرين على ألا يعملوا كثيراً. فكان طرح "إيقاع" بحثاً عن حل كي يتم تفريغ الموسيقيين للعمل الموسيقي، من هنا انطلق المشروع وهنا كان السؤال الأساسي، وخاصة حين نتحدث عن شركة مؤسسها موسيقي بالأصل وهذا هدفه. فكان الطرح أن السوق يجب أن يكبر ويجب أن يكون منطقة وليس بلداً فحسب، وتحديداً نحن لدينا ثقافة مشتركة ولغة مشتركة وسنفهم بعضنا ونحب موسيقا بعضنا، وأن هذه البلدان قريبة من بعضها، وفي أوقات كثيرة التحرك من مدينة لمدينة سهل وغير مكلف جداً. وبما أن هذا المشهد صغير نستطيع أن نخلق شبكة من الأصدقاء كمرحلة أولى وشركاء يمكن أن يستقبلوا الموسيقيين لتخفيف كلفة الانتقال من مدينة لمدينة ونخلق أيضاً شبكة توزيع للألبومات في المنطقة وبهذه الطريقة يكسب الموسيقي الأردني جمهوراً لبنانياً ومصرياً وفلسطينياً وسورياً، إلخ. وهذه فرصة كي يكبّر حصته في السوق، وهكذا إذا جمعنا المشهد الأردني المستقل مع اللبناني والمصري، والفلسطيني إلخ تخلقين قوة تقدر بطريقة ما أن تنافس أو تظهر أمام العمالقة ووحوش التيار الرئيسي السائد الذين هم روتانا وبلدي وغيرهما من الذين يسيطرون على سوق الموسيقا كله
هدى: ذكرت الأردن مصر ولبنان، في أية بلدان أيضاً كان فيها ظهور لـ "إيقاع"؟
كندة: هناك علاقات مع فلسطين، وعلاقات مع سوريا، لكن لم يكن هناك أشخاص يعملون دواماً كاملاً. كان العمل على الأرض فعلياً في عمان والقاهرة وبيروت. في فلسطين كانت فرص عروض في أغلب الأوقات، وفي سوريا جربنا التوزيع لكن السوق كان صعباً جداً لأن أغلبه نسخ منسوخة بأسعار رخيصة جداً، بما فيه المشهد المستقبل، كان كل شيء مقرصناً فكان من الصعب جداً أن نوزع، ولم تكن هناك
هدى: ولقاءات "إيقاع" كانت أول إنتاج مشترك بين الموسيقيين في المنطقة العربية في 2010؟
كندة: هذا تكرر مرتين، في آب 2009 وفي تشرين الأول 2010 مع مفهوم معدل. في 2009 كانت الفكرة أن نطلق المفهوم الخاص بشركة إيقاع في مناسبة ما، وفي الوقت نفسه يعمل "بي الآر" المؤسسة، ومن جهة ثانية يقدم دفعة قوية لما كنا قد تخيلنا أنه الشيء الذي يمكن أن يقوّي المشهد من الناحية الإقليمية. وكانت الفكرة أن نختار فرقاً من لبنان ومصر والأردن وفلسطين وأن نختار فرقاً معروفة من كل واحدة من هذه البلدان كي تقدر على الترويج للفرق التالية، فاخترنا ثلاث فرق أساسية وكانت الفكرة أن نحضر الفرقة المصرية والفرقة الأردنية إلى لبنان كي تفتتح الفرقة اللبنانية الحفلة والتي يحدث بعدها حفلة خاصة لإحدى الفرقتين إما الأردنية أو المصرية فنضمن هكذا أن نعرف الجمهور اللبناني على هاتين الفرقتين وهكذا دواليك في الأردن ومصر
هدى: والفرق الثلاث كانت في البداية عزيز مرقة، الدور الأول ومشروع ليلى؟
كندة: رسالة من مصر، عزيز من الأردن، ومشروع ليلى من لبنان، وكان هناك ياسين قاسم من فلسطين
هدى: إذاً فكرة المزج هذه بين الموسيقيين كانت تحدث في مصر مع وجود المورد الثقافي ومؤسسة داعمة لورشات كهذه. وكان هناك تركيز ليس فقط على تعريف الموسيقيين ببعضهم بعضاً بل أيضاً أن يكونوا موجودين في ورشة عمل لمدة عدة أيام كي يتعرفوا على أعمال بعضهم وكي ينتجوا في الوقت نفسه
كندة: أعتقد أنها توقفت منذ سنوات
هدى: أحب أن أعرف منك كيف كانت البداية في بيروت. أعرف أنكم اشتغلتم مع مشروع ليلى وكان أحد أهم إنتاجات “إيقاع” في تلك الفترة، حدثينا كيف كانت البداية والساحة في لبنان. في ذلك الوقت، تحدثت عن مصر والأردن، لكن ماذا كان يوجد في لبنان في تلك الفترة في ٢٠٠٨؟
كندة: أريد أن أصحح معلومة، في مشروع ليلى اشتغلت معهم فقط على لقاءات "إيقاع"، ولم يكن هناك ما هو أكبر من هذا، كان هناك كلام على الألبوم، وأتذكر أنه كان آنذاك “استديو بيروت” الذي أنتجوا معه الألبوم في النهاية كان ما يزال قيد العمل، وحينها شجعتُ حامد كثيراً أن يسجل هناك، وقلت له إذا كنا سنمضي كإيقاع سأذهب أنا وأعد الألبوم عند "بيروت" لذلك بوسعك فعل ذلك. أما الألبوم الثاني فقد أعدوه بأنفسهم، فمشروع ليلى موضوع بحد ذاته وأراه مهماً ويمكن الحديث عنه لكنه ليس طويلاً. أما المشهد في لبنان فقد صنعه بشكل رئيسي "سوبكس" قبل أن تخلق "إيقاع" أو "إغنوغنيتو". أظن أنه من المهم أن نتحدث عن "إغنوغنيتو"، صحيح أنه لم يكن قد جرب القيام بأي شيء من ناحية العروض والبنية التحتية للموسيقا لكن "سي دي تيك"كان مرجعية كل من يبحث عن موسيقا جيدة في لبنان. أتذكر "سي دي تيك وأنا صغيرة حيث كنت أستطيع العثور على كل الألبومات التي أريدها، وقام صاحب سيدي تيك بتأسيس "إغنوغنيتو"، ربما في ٢٠٠٦ أو ٢٠٠٧ وكانت "إغنوغنيتو" تقوم بالإنتاج لموسيقيين من المنطقة وليس من لبنان فقط وتوزع لهم بشكل رئيسي في سي دي تيك وبعض المحلات الأخرى وكان لديهم شبكة توزيع إقليمية شغالة بشكل جيد، لكن لم يكن هناك أكثر من هذا. وكان هذا إنتاج الألبوم وتوزيعه وكان هذا خطأ وقعنا فيه كلنا وفهمنا أنه يؤدي إلى الإفلاس
هدى: لماذا هذا خطأ؟
كندة: لأن توزيع الألبوم دون عمل على التسويق وعلى العروض الحية لا معنى له ولا يبيع. يجب أن تعملي على توسيع الجمهور وتوصيل فكرة أن هذا الألبوم موجود يا جماعة، اسمعوه. لا تستطيعين القيام بمجرد التوزيع، وقد بدأنا جميعاً بهذه الطريقه: نسجل الألبوم ونصرف عليه، نعد له التصميم والطباعة ونضعه على الرف، فكيف ستقومين بتقديم الفنانين وفي النهاية تعود الأمور كلها إلى الفنان نفسه والموسيقي نفسه. يجب أن تدفعي الموسيقي لا الألبوم وهذا عمل الليبل الحقيقي، الذي لم يكن موجوداً في المنطقة وغير موجود حتى الآن. مؤخراً، بدأت بالعمل الحقيقي الذي يجب أن يقوم به "الليبل" مع مريم صالح وتامر أبو غزالة، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن حدث تغيير كبير في الثقافة، وصار هناك كم أكبر من الموسيقيين المستقلين. أتخيل أيضاً أن هناك تغيراً في نوعية الموسيقا التي نسمعها، الموسيقا المستقلة. أتذكر أنه في ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ كان هناك نوعية مختلفة من الموسيقا. كنا نسمع شيئاً كالحوار، موسيقا تحاول أن تخرج من البعد الكلاسيكي إلى جمهور أوسع
هدى: من المهم أيضاً أن نشير هنا إلى "فوروورد"، لأن "فوروورد" للإنتاج كانوا من أقدم الليبلز، واشتغلوا في الحقيقة كليبل، شكلوا هوية واضحة، "إغنوغنيتو" لم تكن لديه هوية واضحة، لكن "فوروورد" واضح جداً وهذا بالضبط ما تقولينه أنت. أشخاص مثل شربل روحانا، مصطفى سعيد، زياد سحاب، هم الحفة بين الكلاسيكي والفولك وتجديد له
برأيك ما الذي اختلف، ما الذي يجعلنا نقف أمام الموسيقا المستقلة أو البديلة؟ في العالم العربي يوجد ازدهار، كم هائل من الإنتاج، يوجد كم هائل من الفرق والموسيقيين وينتجون في كل أنواع وأصناف الموسيقى، وكان يوجد اعتقاد بأن الثورة كانت عاملاً رئيسياً فسح المجال لأولئلك الأشخاص كي يظهروا، هل برأيك أن هذا كان العامل الأساسي والوحيد أم كانت هناك عوامل ثانية جعلتنا نصل إلى هذه الساحة التي أرى أنها غنية جداً اليوم؟
كندة: يمكن أن تكون الثورة قد لعبت دوراً، وهي لعبت دوراً كبيراً بالتحديد بالنسبة لمصر، لكنني أرى أن هناك أكثر من هذا بكثير. فأولاً، كبر المشهد المستقل، وكبر بحكم أنه قد بدأ يظهر، فقد حدث تراكم من العمل مع مرور الأعوام في الحقيقة، ربما من إغنوغنيتو وفوروورد وإيقاع وغيرهم والمورد وآفاق الذي دعم الموسيقيين كي ينشروا ألبوماتهم في مسارح تستقبل هذا العمل مثل مسرح شمس ومسرح الجنينة. كان هناك تراكم ساعد في جعل هذا المشهد يكبر بحيث أنني كموسيقي أستطيع القول إن هناك مكاناً لي، وهذا لم يكن موجوداً من قبل. فهناك تراكم وكبر للمشهد، أيضاً لا نستطيع أن نستغبي الجمهور كثيراً، لأن الجمهور يمل وأعتقد أن هناك جزءاً كبيراً من البشر لا يفتشون عما هو موسيقى بل يتلقون ما تقدم لهم الإذاعة والتلفزيون ومع الانترنت والتكرار المستمر للتيار الرئيسي العربي وإعادة فبركة الصور نفسها التي تأتي من الغرب، هناك عدد قليل جداً من مغني البوب العرب الذين لديهم لون يشبهنا وهم يعدون على الأصابع، مثلاً أقول إن نانسي عجرم لديها لون بوب واضح لبناني ومصري وعربي خاص ويشبه البوب العربي. إن أغلب البوب هو إعادة فبركة للبيتس وصور ونوع فوكال لا يشبهنا أبداً، وأظن أن الناس لا تحبه لكنها تبلعه لأنها مجبورة. حين تتحدثين عن شركة مثل ميلودي أو روتانا لديهم الراديو ولديهم التلفزيون (١٥ تلفزيون و١٥ راديو) فيجبرونك على بلعها سواء كنت تريدينها أم لا. إن الناس ليسوا أغبياء، لقد مل الناس، هؤلاء الناس الذين كانوا يسمعون فيروز وصباح وأم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم، كان هناك تنوع غني لما تعنيه الموسيقا العربية أو أي شكل من الأشكال قد تأخذ، لكننا لم نعد نملك هذه التشكيلة اليوم في التيار الرئيسي السائد لأنني أنا حين أتحدث عن أم كلثوم وفيروز هم من التيار الرئيسي في النهاية، اليوم في المين ستريم العربي لا نملك هذا الشيء، ليس لديك روح عربية تمتلك تنوعاً
هدى: وهذه مشكلة كبيرة
كندة: لا أعرف كم يشكل هذا مشكلة، لأن موضوع البديل هذا عليه علامة. ماذا يعني بديل؟ هذا في النهاية موسيقا، هذا ما أحبه، أنا في الحقيقة أحب أن أطرح هذا المثل، حين مثلاً تدخلين إلى نسخة ترين أن لديك في الموسيقا الويسترن البوب ولديك بوب روك ولديك وجاز ولوس وتشي ولاونش وإلكترو وهارد كور،إلخ ثم لديك قسم اسمه عربي. إن البديل في النهاية هو الذي لا تقدرين على تصنيفه. حين مثلاً نتحدث عن موسيقا الويسترن. الفكرة هي أنه في "العربي" لا تملكين هذا الشيء اليوم، فكل شيء ليس هيفاء ونانسي وفيروز هو بديل، وهو بديل لأنه بديل عما هو سائد في السوق، هذا هو المعنى الحقيقي لبديل، ليس له معنى آخر. إن البديل ليس جنساً أو نوعاً، وقد يكون بوب بديل عن بوب التيار الرئيسي السائد اليوم، ففي النهاية هذه موسيقا تُعَد بصرف النظر عن التسميات، فما الذي تعنيه تسمية بديل، كي يكون بديل يجب أن يكون تقدمياً؟ لكن تقدمي شيء وبديل شيء ثان. لنسمّي الأشياء بأسمائها، أي هذا معاصر أو تقدمي، إن بديل هو كل هذه، لأن التيار الرئيسي لم يترك شيئاً حتى اليوم
هدى: أنا متفقة معك بشكل كامل، وأعتقد أن هناك أزمة في التصنيف إذ ليست هناك مشكلة أن نصنع بوب، فأنا مع أن نصنع بوب له قيمة ويمثلنا ومعاصر، لكن هناك مشكلة أننا لا نستطيع أن نسمي البوب بوب، أي أنت تصنع بوب سمّه بوب أوسمّه بوب روك، أي سمّي الجنس الذي تصنعه، ما نظرتك للمسألة؟
كندة: لأن البوب تحول فجأة إلى شيء بشع جداً والسبب هو أن شركات الإنتاج جعلته كريهاً وهكذا فإن الناس لا تريد أن تُصَنَّف تحت شبه هذا الشيء الذي لا نريد نحن أن نشبهه. الفكرة هي أنني أشتغل أكثر بكثير من أن تصنفني بنفس الاسم الذي تصنف به الذي لديه "بيت مولّد ذاتياً" وغيره. إن الشيء الرئيسي هو هذا الشيء الذي يطلع ويسمي بوب والذي يجب ألا يطلع
كندة: أعتقد أن الموسيقيين يجب أن يتقربوا من بعضهم على المستوى الإقليمي ويشكلوا كتلة أقوى حتى ولو كانوا لا يشتغلون مع بعضهم بطريقة مباشرة. وأعتقد أن هناك تحدياً كبيراً جداً تواجهه جميع شركات الإنتاج على الساحة وهذا التحدي هو وجود الانترنت. أشعر أن الانترنت صار صديق الفنان الأول أو صديق أي شخص الأول من ناحية كيفية الوصول إلى الجمهور، ولا نستطيع أن نغفل الحديث عن الانترنت في هذا الموضوع لأنه المحل الوحيد، بعد الحفلة الحية، الذي يتفاعل فيه الجمهور مع الموسيقي وحتى الآن لا يوجد أية وسيلة أخرى، وليس هذا ضرورياً لأن الانترنت وسيلة عظيمة فمن ناحية فيه الصورة وفيه الصوت وفيه النص وفيه الترافيك، وتستطيعين القيام بالدعم وتنشري عملك وتسمعي رأي الناس وهذا يقوي جداً علاقة الفنان بجمهوره، ولا أحد يستغل هذه المنصة بقدر المستقلين بشكل عام، خذي كمثال فرقة مثل مشروع ليلى التي صنعت نفسها بنفسها وبشكل جيد جداً وصلت إلى مرحلة تمويل ألبوم من خلال ويب سايت ولتسويق الألبوم وإطلاقه، طلبوا ستين ألف دولار فحصلوا على أكثر من سبعين، وهذا يخبرك كثيراً عن مستقبل هذا المشهد بمعنى علاقة الفنان المباشرة بجمهوره
هدى: لنختم الحوار بسؤال خفيف: خبرينا عن أفضل مشروع شعرت بالسعادة وأنت تعملين فيه أثناء عملك مع إيقاع؟
كندة: في الحقيقة هناك مشروعان: أحدهما لقاء إيقاع الثاني الذي حدث في تشرين الأول ٢٠١٠ والثاني هوإيقاع
هدى: هل الذي كان مع رسالة ومشروع ليلى
كندة: كان هذا أول واحد، الثاني حين فكرنا إنه بما أن الاختلاط لا يحصل حين تكون هناك فرقة وهذا طبيعي لأن الفرقة متعودة أن تعزف مع بعضها ومن الصعب أن تضعي فرقتين وتطلبي منهما ذلك فقررنا أن نأخذ أفراداً وهذا المشروع الذي خرجت منه فرقة كازامادا والتي كانت تامر أبو غزالة من فلسطين ودنيا مسعود من مصر ومحمود ردايدة من الأردن وزيد حمدان من لبنان. كان هذا المشروع مثيراً جداً بالنسبة لي من ناحية المشغل نفسه وبعنا المنتج الخاص به والذي كان ما يزال غيرموجود وهذا ولّد ضغطاً غير طبيعي على الموسيقيين، أنه أنتم محجوزون في فرقة اسمها كازامادا لم تُخلق بعد، وأنتم محجوزون لديكم حفلة في أثينا وحفلة في عمان وحفلة في دمشق وحفلة في بيروت وحفلة في القاهرة وأخرى في الإسكندرية، قبل أن تنتج الفرقة أي شيء، فقد كان هذا عظيماً، ويمكن أنني متعلقة عاطفياً بهذا المشروع لأنني كنت موجودة في المشغل ورأيت كيف خُلقت كل أغنية، من وضع الألحان ومن فتش عن الكلمات الخاصة بها كي تركب عليها وعملية خلق الموسيقا التي كان فيها شيء لذيذ جداً بالنسبة لي. وكانت ثمرة ذلك أغنية من أجمل الأغاني الموجودة حالياً في الموسيقا العربية اليوم والتي هي أغنية “حلم”، وهي خرجت من المشغل هذا. وهي بالنسبة لي أغنية عظيمة. كان هذا بالنسبة لي مشروعاً وداعياً ودعت فيه عملي في “إيقاع”، الذي كان في ديسمبر ٢٠١٢ وكان اسمه مهرجان إيقاعات وكنت أحبه لأنه كان فيه أفضل الموسيقيين الذين أحبهم الذين يقومون بعمل جميل جداً في المنطقة. كان هناك موريس لوقا ومريم وتامر وخيام وفرقة الألف من ناحية، ومن ناحية أخرى، حصل من خلاله شيء كنت أحلم كثيراً أن يحدث مثله في بيروت، كنت أعاني من تضخم الأنوات والروح التنافسية الموجودة في لبنان وفي الوطن العربي في الساحة المستقلة ولم يكن هذا مفهوماً، فأنتم تنافسون من؟ لأن المنافس الحقيقي هو الوحش الشيخ، وكان أجمل مشروع بالنسبة لي هو اشتراك ثلاث قنوات كانت تصنع أجمل الأشياد في ذلك الوقت في البلد وأعني مترو المدينة وراديو بيروت وأحد مؤسسي ليبل ارتجال
هدى: ارتجال الذي هو موسيقا تجريبية مع مازن
كندة: مازن كباش، صحيح.وشريف الصحناوي الذي كان يعمل معه آنذاك وراديو بيروت ومترو المدينة وكانت الفكرة إقامة مهرجان بالتعاون أيضاً مع إيقاع يكون تمويله علينا وربحه لنا مما يعني أننا كلنا سنروج لبعضنا ولحفلات بعضنا وكل حفلة تحدث في أي من هذه القنوات يقسم ربحها على الأربعة، لكن في النهاية كانت الموسيقا بالنسبة لي من أجمل الأمور التي حدثت
هدى: شكراً لك، ولنا لقاء ثاني للحديث عن الموسيقا
كندة: أتمنى ذلك
مع خيام اللامي
هدى: هل يمكن أن تحدثنا عن نوى، عن الفكرة الكامنة وراءها وما دور نوى بالنسبة لك في المنطقة وفي الموسيقا المعاصرة؟
خيام: بصراحة الفكرة الكامنة وراء نوى بسيطة جداً، بمعنى بيت إداري وريكورد ليبل طبعاً لنشر وإنشاء ودعم موسيقا جديدة من المنطقة العربية. بالنسبة للساحة الموسيقية العربية يعتقد الناس أن الموضوع كبير ويجسد خطوة كبيرة، لكن بالنسبة لي بالعكس الموضوع بسيط وهناك مليون ليبل يظهر كل يوم في كل العالم، لكن لبّ الموضوع هو تجربة الاحتراف ودعم الموسيقيين والاحتفاظ بحقوقهم من أجل التطور والاستمرارية ومن أجل نظرة للمستقبل بطريقة بناءة، وهذه هي أهم العناصر بالنسبة لي، فمثلاً يمكن أن تطبعي سي دي بكل سهولة لكن توزيعه في العالم العربي صعب قليلاً لكن في أوربا الموضوع أسهل، طبعاً الديجيتال يسهّل كل شيء، لكن كيف يمكن دعم الموسيقيين بطريقة أعمق من أن تطبع لهم ألبوماً فقط، أعني الترويج، البي آر، البروموشن، العلاقات؟ كيف يتم تقديم نوع من العرض الذي بالنسبة لي هو شيء مهم جداً بالنسبة للساحة العربية والموسيقا العربية بشكل عام؟ إضافة إلى ذلك الحقوق، والقصص الإدارية التي لها علاقة بالنشر والحقوق الموسيقية وحقوق الملكية والأداء وكل هذه القصص، نحن نفقد كثيراً لأننا لا نركز على آلية الصناعة وكيف هي مركبة، ويمكن أن يساعدنا هذا كثيراً ليس فقط مادياً بل كسمعة أيضاً وأسلوب في تقديم الأعمال بطريقة محترفة الأمر الذي يجعل العالم من الخارج ومن داخل العالم العربي ينظر إلى الموسيقا بطريقة مختلفة كما أظن. وحتى الآن ألبوم موريس هو أول ألبوم أُطلق بهذا النوع من الاحتراف بالنسبة لنوى كما أقصد وليس بالنسبة للمنطقة. كانت أغلبية ردود فعل الناس تتعلق بكيف تم تقديم هذا العمل وكيف يُروج له، هذا ما جعلهم سعيدين. وهذا يفرحني أيضاً لأنه
يعكس أن أسلوبنا في التعامل مع المنتج الفني والفنان يسير على الطريق الصحيح
هدى: كم عمر "نوى"؟
خيام: لقد أسست نوى من منطلق إداري كي أطلق ألبومي الأول "رنين أقل" في ٢٠١١، لكن كشركة، كريكورد ليبل محترفة، عمرها ثلاثة أو أربعة أشهر. وألبوم موريسهو أول عمل يُطرح رسمياً
هدى: كيف ترى توجه نوى في المستقبل؟ هل سيكون هناك تركيز على نوع موسيقا معينة أم على عدد معين من الموسيقيين؟ ما هي الاستراتيجية بعيدة الأمد لنوى؟
خيام: بالنسبة للنوع لا يوجد نوع محدد من الموسيقا أحب أن أعمل عليه، فأنا أحب كل أنواع الموسيقا من العربي التقليدي إلى الهيب هوب إلى الضجيج وكل أشكال وأنواع الموسيقا. ما يهمني هو العمل مع فنانين يمتلكون رؤيا، لديهم شيء يحبون قوله، لديهم هدف الاحتراف بمعنى أنهم يركزون على أن تكون الموسيقا الشيء الأساسي في حياتهم ويحاولون أن يبنوا حياتهم من وراء هذا النوع من العمل، وفنانين لديهم استعداد كي يكونوا نشيطين جداً في الساحة، بمعنى مستعدون لإجراء مقابلات وللقيام بجولات وأن يبنوا الحياة الموسيقية الاحترافية، هذه هي بالنسبة لي العناصر الأساسية وخاصة الرؤية الفنية. بالنسبة لنوى على المدى الطويل أتمنى أن يكون لدينا ما يسمى بالنشر الذي يحافظ على حقوق الموسيقيين ويحاول أن يدعمهم ويتكفل بمسؤولية الإدارة المالية التي لها علاقة بهذه الحقوق من أجل أن يعرف الفنانون كيف يستثمرون هذه الأموال في عملهم المستقبلي، من أجل استقلاليتهم أيضاً وأن تكون الليبل محترفة، ويكون وراءها فريق يعرف ماذا يفعل حيال كل ألبوم يتم إصداره. والخطة الأخرى لها علاقة بالتوزيع وبناء أونلاين ستور لتوفير الموسيقا في المنطقة وللعالم كله، أي أن يكون هناك نوع من التوزيع لا علاقة له بالمحلات بالمنطقة العربية بل أن يكون مباشراً من الليبل أوالفنان إلى محبي الموسيقا الموجودين في المنطقة
خيام: هذه المتاجر مضمونة، آي تيونز سبوتيفاي ديزر، أمازون،وغيرها ولهذا لدينا توزيع محترم في أوربا والتوزيع في أوربا سهل جداً لأن هناك خدمات بريدية تشتغل بسهولة. إن المشكلة الأساسية هي في المنطقة العربية، فتكلفة الشحن مرتفعة تعرقل إيصال المادة، وأيضاً النظام البريدي غير موثوق وهناك قصص الجمارك التي تعقد الموضوع. فما سأحاول فعله عبر الأونلاين ستور هو أن يكون هناك توزيع محلي يسهل الشحن. نحن نعمل الآن مع شركة في القاهرة اسمها إنجز، وهم شركة كوريير، يقدمون أنفسهم كشركة تنفذ خدماتك إذا لم يكن لديك الوقت للقيام بها، فالفكرة الآن أن شخصاً في القاهرة يستطيع أن يتصل بسهولة بإنجز ويقول لهم إنه يريد نسختين من ألبوم موريس على عنوانه، فيتم إيصالهما إلى البيت. وهذا مثل الفاست فود، أسميه الفاست ميوزك. وقد
هدى: سأعود إلى فكرة حقوق الموسيقيين في العالم العربي، هناك أزمة حقيقية في هذا الموضوع، هل يمكن أن تخبرنا أكثر، كيف ترى أن هذه المسألة سيكون لها حقوق في المنطقة العربية وما المشاكل الموجودة حالياً في هذا الصدد؟
خيام: المشكلة الأساسية أن الحكومات في الدول العربية لا تحاول تطبيق قوانين تحتفظ بحقوق الموسيقيين وحقوق التأليف الموسيقي وحقوق التسجيلات الصوتية نفسها وحقوق الأداء الموسيقي وهذا يعني أي نوع من الأداء العام أو الحي، وإلى أن تتفق الحكومات على قوانين وتثبت هذه القوانين وتبني المؤسسات التي تعرف أن تدير هذه المسؤولية فإن هذا الموضوع لن يتغير. وتتعلق النقطة الأساسية بالنسبة لي وبالنسبة لنوى أكثر بأن هذه الحقوق وهذه الأنواع من المؤسسات موجودة ومحترفة جداً في كل أوربا وأغلبية العالم. فالمشكلة الأساسية بالنسبة للفنانين العرب هي أنهم لا يعرفون كيف يستغلون هذا الهيكل التابع لصناعة الموسيقا والموجود في أوربا وأميركا. أقدم لك مثلاً بسيطاً جداً. هناك فرقة هيب هوب، يصنعون تراكاً جديداً، يطرحون التراك مباشرة على اليو تيوب لكن الحقوق والتفاصيل المتعلقة بالتراك غير مسجلة لدى إحدى الشركات في البلدان الأوربية أو الأميركية أو غيرها التي تحافظ على هذه الحقوق وتوثقها وتجمع الأموال التي هي من حق الفنانين من وراء الأونلاين ستريمز أو الراديو بلاي أو الاستخدام في التلفزيون أو البرامج، إلخ. إذاً هناك فرقة هيب بوب تضع تراكاً على يوتيوب يحصل على نصف مليون مشاهدة، هناك مال مرتبط بهذه الستريمز موجود لدى يوتيوب وهذا من حق الموسيقيين. لا يعني هذا أنهم يجب أن يلعبوا لعبة أو يبيعوا شيئاً ما. هذا حقهم لأن يوتيوب يستخدم المحتوى الخاص بهم، ولكن إذا لم تكن الموسيقا مسجلة لدى إحدى هذه الشركات الرسمية فلن يتمكنوا من تحصيل هذا المال. أكيد أن هذا لن يكون مبلغاً كبيراً لكن بالنسبة لنا كموسيقيين مستقلين كل مبلغ صغير مفيد ويساعد خاصة إذا كان الموسيقي أو الفرقة أو الفنان لديهم وجهة نظر تتعلق بالبناء، هذا يعني الاستثمار في أنفسهم، يمكن بكل سهولة أن تحصل على ألفين دولار في شهرين أو سنتين له علاقة بمادة ما نشرتها أنت أونلاين، هذا ليس مبلغاً كبيراً لكن الألفي دولار يجعلانك تستثمر في استديو كي تسجل أغنية جديدة، أو تستثمر في أجهزة جديدة أنت بحاجة إليها، تحتاج إلى ميكروفون جديد أو حذاء جديد تصور به فيديو كليب أوقميص جديد من أجل فوتو شوت، وهذا مع التراكم مهم. أقدم لك مثلاً آخر هو ألبوم موريس لوقا الذي يُعْزَف كثيراً الآن على محطات راديو أوربية، كل يوم أتلقى تقارير من الشاب (البي آر) الذي يعمل معنا في أوربا أنه كذا محطة عزفت هذه الأغنية، هذه المحطات تدفع رخصة ثابتة للحكومة في بلدهم كي تتوزع على الموسيقيين الذين يقومون بتأليف هذه الموسيقا، فهذا حق الموسيقيين وليس لعبة. المال موجود ولكن إذا لم تكن هذه الموسيقا مسجلة فإن الأموال لن تأتي. إذاً هناك شبكة وطرق محترفة للتعامل مع هذا الشيء، وإذا لم نبدأ بالاستثمار فيها سنخسر. والموسيقيون سيخسرون في النهاية، وهذا لا يحتاج إلى جهد كبير
هدى: هل هناك من يعمل على أن يكون هناك قوانين في العالم العربي لضمان هذه الحقوق؟ نحن نتحدث اليوم عن شركات موجودة في أميركا وأوربا التي تضمن هذه الحقوق. سؤالي هو هل إذا عزف ألبوم موريس لوقا على راديو عربي هل هناك إمكانية لتحصيل هذه الحقوق؟
خيام: مستحيل طبعاً، لأن المشكلة في العالم العربي هي أنه حتى لو كان هناك تقاليد دولية وقعت عليها البلدان العربية فهذا يعني أنهم يشاركون فيها كأعضاء لكن لا يوجد طاقم إداري قادر على تحليل كمية المعطيات التي تخرج. وفي الإذاعات العربية لا يوجد ما يسمى رخصة للحكومة تُوزع على الموسيقيين أو المؤلفين أو كتّاب الكلمات. هذا شيء غير موجود، فالاحتفاظ بالحقوق مبدئياً موجود لكن الرخص والإدارة لتحليل المعطيات وتوزيع المال غير موجودة. هناك موضوع يسمي “الشراء”، مثلاً يدفعون مبلغاً ويشترون فيديو كليب من شركة إنتاج، بعد ذلك يمتلكون الحق في أن يضعوا هذا الفيديو كليب في القناة الخاصة بهم ٢٤ ساعة على أساس المبلغ الثابت الذي دفعوه في البداية. ليس لدينا عادة كلما عزف شيء يكون هناك مبلغ أصغر يتم توزيعه وهذه مشكلة كبيرة تحتاج إلى إدارة كاملة مهتمة بهذا الشيء، ففي أوربا وأميركا واليابان وآسيا وكل البلدان التي لديها هذا النوع من النظام هناك شركات غير حكومية لكنها مرتبطة بدعم، وتحت قوانين الحكومة طبعاً، تتكفل بهذه المسؤولية وطبعاً تأخذ هي نسبة مئوية صغيرة لأنها تدير الأعمال كلها وتتعامل مع محطات الراديو كلها ومع يوتيوب وسبوتيفاي وديزر وكل الشركات الأخرى ولكن هذا هيكل يحتاج إلى احتراف وتركيز وتدريب وبناء فمن الصعب أن يتم من غير قرارات حكومية
هدى: كان الحديث كله اليوم عن المنطقة أي عن الأردن، فلسطين ولبنان ومصر لكنني لم أسمع كلاماً عن تونس أو المغرب أو الجزائر. أعرف أن لديك مشاريع لكنني لا أعرف تفاصيلها في تونس وهناك ساحة مستقلة تكبر في تونس وتحديداً هناك مهرجان الموسيقا المستقلة الذي بدأ منذ بضع سنوات، لكن يبدو كأن هناك فصلاً بين الساحات العربية
خيام: هناك فصل، أكيد، وأعتقد أن المشكلة تتعلق بأن البلدان في المشرق هي أنكلوفونية أي تابعة للاستعمار البريطاني والعلاقة مع العالم الإنكليزي، بينما بلدان تونس والجزائر والمغرب فرانكوفونية لها علاقة بالاستعمار الفرنسي واللغة والثقافة الفرنسية. هنا يوجد فصل كبير جداً، ثانياً إن التواصل بين المشرق والمغرب مع الأسف خفيف جداً لكن بدأ يُبنى أكثر الآن لكنه ما يزال ضعيفاً ويجب أن نعمل كثيراً على بناء هذه العلاقات. بالنسبة للحركة الموسيقية في المغرب العربي يوجد حركة قوية جداً، والأقوى هي في المغرب لأن الحكومة تدعم هناك منذ فترة طويلة الفنون المستقلة. إن الفرق بين المغرب ومصر مثلاً هو أن أغلبية الدعم الحكومي في مصر يذهب للمؤسسات الحكومية كدار الأوبرا، الكونسرفتوار، الفرق التي لها علاقة بالحكومة والمسارح التي لها علاقة بالحكومة مما يعني أن البرمجة التي تحدث في المسارح لها علاقة بالحكومة أيضاً، بينما في المغرب الحكومة الملكية تدعم النشاطات المستقلة أيضاً، لهذا السبب لديك مثلاً مهرجان بولفارد الذي يحدث كل سنة في المغرب، سمعت أنه منذ عامين حضر أداءهم ثلاثون ألفاً من الجمهور وكانوا حزينين لأنهم متعودون على عدد أكبر من هذا بكثير أي ما يقارب المائة ألف أو ١٢٠ ألف شخص. أما في تونس فالإنتاج الموسيقي قليل، وهذا له علاقة بالهجرة، فغالبية الشباب التوانسة الموهوبين هاجروا إلى الخارج، إلى فرنسا وكندا، والبعض في بلجيكا فوجودهم في الساحة التونسية نفسها ضعيف لأن معظم عملهم في الخارج، أضيفي إلى ذلك أن دعم الدولة للفنون المستقلة صفر، ما عدا مهرجان الموسيقا والسلام الذي ذكرتيه من قبل المدعوم قليلاً من وزارة الثقافة وابتدأ منذ ثلاثة سنوات، ولهذا للأسف يذهب كثيرون إلى الخارج. في مصر هناك جمهور مصري راسخ وعدد سكان مصر يساعد على هذا الشيء، في لبنان معروف أن المساحة الفنية مطروحة ومستقلة وتدعم نفسها منذ وقت طويل، وفي فلسطين هناك إنتاج موسيقي هائل ودائماً يلفت النظر في كم هو متقدم فنياً وموسيقياً لكن نعرف قصة فلسطين وصعوبة الوصول إليها وصعوبة الظهور منها، وهذه مشكلة. في عمان الوضع بسيط، يوجد عدد فرق بسيطة، يوجد نشاطات ولكن في النهاية الأمور تتغير في المنطقة مع المهرجانات المستقلة لكن المسألة بحاجة إلى وقت وبناء، وهناك خوف بأنه قريباً كمية الإنتاج في المنطقة لن تكون كافية لعدد المهرجانات والحركات الموسيقية، فبالنسبة لي الخطر الآن هو أننا يجب أن نركز على إنتاجات موسيقية جديدة محترفة أكثر، بجودة أعلى، كي نتمكن من القيام بهذا الدور من التواصل والتبادل بين كل البلدان العربية في المشرق والمغرب لأنه كلما زادت المهرجانات قل عدد الفرق التي تستطيعين أن توجهي لها دعوة ثانية أو تدعميها، لهذانحتاجإلى إنتاجات جديدة
هدى: هل ترى مشكلة في عدد الفرق أم في نوعية الفرق الموجودة في الساحة العربية؟
خيام: بالنسبة لي كمستمع وليس كصاحب شركة أو كموسيقي، كمستمع وكعاشق للموسيقا أشعر أن المشكل الأساسي له علاقة بجودة الموسيقا وجودة التجربة. هناك أشخاص كثيرون يجربون ويحاولون ويقومون بالمشاريع وجميلون ويمتلكون رؤية لكن يجب التوجه إلى إنتاج موسيقي أقوى وهذا نلاحظه كثيراً في الهيب هوب، فآخر ألبوم لبايكوت (مقاطعة) من رام الله كان تاريخياً لأن جودة الإنتاج وبصمة الإنتاج الموجودة في هذا العمل لم أسمعه من نوع آخر من الهيب هوب في العالم وأكيد لم أسمعه في المنطقة. مبادرات كهذه شجاعة جداً. كما فعلت كاميليا جبران، إن ما قدمته في أول ألبوم مفرد لها بعد صابرين كان شجاعاً وجريئاً إلى درجة أنه جنّن الناس وأحدث انفصاماً في جزء كبير من الجمهور الذي كان يعشق صابرين ولا يحب عمل كاميليا جبران لوحدها. وهناك جمهور ثان لا علاقة له بصابرين يحب عمل كاميليا جبران لوحدها. أعتقد أن هذا النوع من التجارب، هذا النوع من الجرأة، مطلوب. إن الإنتاج الفني هو المهم والمفيد كي نكسب العادات التي تعودنا عليها قليلاً
هدى: كصاحب شركة إنتاج من الفرق التي تلفت نظرك؟
خيام: موريس لوقا، أنا أتحدث عنه طيلة الوقت لأنني صديقه ونعزف معاً في فرقة الألف وأنجزت له المكساج الخاص بالألبوم، شركة نوى أطلقت الألبوم، ولغاية اليوم بعد أن سمعت هذا الألبوم تقريباً خمسمائة ألف مرة أواصل سماعه لأنني أحبه كمستمع وهو عمل مهم فيه رؤية فنية وسرد فني عظيم، الجميل في هذا الألبوم لموريس أن فيه تراكاً يلمّح إلى أين يتجه موريس فنياً وموسيقياً، ولهذا أنا متحمس جداً للأعمال الجديدة القادمة لموريس لأنه تجاوز خط الخوف المتعلق بإنتاج الألبوم الثاني وهذه خطوة مهمة جداً لأي موسيقي. أشعر بالشيء نفسه تجاه فرقة “بايكوت/مقاطعة” فالرؤية الفنية مهمة جداً والكلمات رائعة وإنتاجه رائع فلهذا أنا متحمس لأعماله الجديدة. كذلك أسلوب من كتيبة ٥، أيضاً منتج هيب هوب فلسطيني كان يعيش في بيروت وانتقل الآن إلى فرنسا، قدم عملاً اسمه “فصل” منذ عامين اعتبرته من أهم أعمال الهيب هيوب التي ظهرت في المنطقة، رائع. أنتظر أن أسمع المزيد من آية متولي وهي شابة مصرية تقوم ببناء أفكارها الموسيقية بعمق أكثر، كذلك ننتظر جميعاً ألبوماً جديداً من تامر أبو غزالة، أي عمل جديد وليس الأغاني التي مرت فترة وهو يقدمها على المسرح، أنتظر سماع الجديد من مريم صالح لأنها تجاوزت حواجز وخطوطاً مهمة جداً بالنسبة لها في العامينالماضيين، وأيضاً كاميليا جبران مع سارة مرسية وفيرنا هاسلر اللواتي يعملن معاً على مشروع جديد، وأنا متحمس كثيراً لسماع هذا العمل
هدى: شكراً ونتمنى أن نجري لقاء آخر معك
خيام: شكراً